ميدوسا

 


في أعماق الأساطير اليونانية، تطلّ علينا شخصية غامضة وجذابة، تجمع بين الجمال المدمر والقوة المطلقة. إنها ميدوسا، الفتاة التي كانت تمتلك شعرًا يجذب الأنظار وجمالًا أسطوريًا، ولكنها تحولت إلى وحش بملامح مخيفة، رأسها يزخر بالثعابين ونظراتها الثاقبة تحوّل أي إنسان إلى حجر!


كانت ميدوسا في البداية فتاة بشرية عادية، الفانية الوحيدة بين أخواتها الغورغون. ولدت بجمال ساحر جعلها محطّ أنظار الجميع، حتى أن الشاعر الروماني أوفيد امتدح شعرها واعتبره "الأروع من بين محاسنها". لكنّ هذا الجمال لم يكن إلا بداية لعنة أبديّة.


أعجب بها بوسيدون، إله البحر القوي، ووقع في غرامها. وذات ليلة، اقتحم معبد أثينا واغتصبها في حرم الإلهة العذراء. أثينا، التي غضبت بشدّة لانتهاك معبدها، قررت أن تعاقب ميدوسا عوضًا عن بوسيدون. وبقوة إلهية، حولت أثينا جمال ميدوسا إلى بشاعة مرعبة، فبدلًا من شعرها الفاتن، نمت الثعابين على رأسها، وأصبحت عينيها قادرة على تحويل كل من ينظر إليها إلى حجر.


حين قرر الملك بوليديكتيز التخلص من البطل برسيوس، أرسله في مهمة شبه مستحيلة: "احضر لي رأس ميدوسا." لم يكن برسيوس يملك خيارًا سوى قبول التحدي، ولكن لحسن حظه، تلقى مساعدة من الآلهة أثينا وهيرميس. أهدته أثينا درعًا برونزيًا عاكسًا ليستخدمه كمرآة ليرى ميدوسا دون أن ينظر إليها مباشرة، بينما أهداه هيرميس خفّيه المجنحين وسيفًا حادًا.


بدأ برسيوس رحلته نحو الأراضي البعيدة، حيث كانت ميدوسا تختبئ، في مكان بعيد عن الناس والمتطفلين. ومن خلال استخدام الحيل والخداع، استطاع أن يجد طريقه إلى هناك ونجح في قطع رأس ميدوسا بينما كانت نائمة، مستعينًا بدرع أثينا العاكس.


بعد موتها، انبثقت حياة جديدة من دماء ميدوسا المقطوعة. كانت ميدوسا حاملًا عندما ماتت، وعندما قطع برسيوس رأسها، خرج من عنقها كرياسور، الشاب القوي، والحصان المجنح بيغاسوس، الذي أصبح فيما بعد رمزًا للحرية والإلهام. هذا المشهد كان أغرب ما قد يحدث في الأسطورة، حيث أنجبت الموت الحياة!


بينما كان برسيوس عائدًا إلى وطنه حاملًا رأس ميدوسا في حقيبته، سقطت بعض قطرات من دمائها على الأرض، وتحولت فورًا إلى ثعابين، ويعتقد أن هذا هو السبب وراء كثرة الأفاعي في ليبيا. لم يكن ذلك كل شيء؛ فقد استخدم برسيوس رأس ميدوسا لتحويل الملك بوليديكتيز والمتوحشين من سكان جزيرته إلى حجارة.


وفي النهاية، قدّم برسيوس رأس ميدوسا هديةً إلى أثينا، التي وضعته على درعها كحامية للأبطال. حتى دماء ميدوسا احتوت على قدرات سحرية؛ فقد أعطت أثينا بعضًا منها لآسكليبيوس، إله الطب، ليستخدمها في إنقاذ الأرواح، بينما استخدمت أثينا باقي الدماء لصناعة علاجات وسموم قاتلة، وجعلت من شعرها حامية للمحاربين.

Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url